يكشف أحدث تقارير المستجدات الاقتصادية للشرق الأوسط، الذي أعدته “أكسفورد إيكونوميكس”، أن اقتصادات الشرق الأوسط قد تعافت تقريباً من الخسائر التي تكبدتها بسبب الجائحة، مدعومة بزيادة إنتاج النفط، وارتفاع مستويات التطعيم، فضلاً عن تخفيف القيود المرتبطة بفيروس كورونا.
وعلى الرغم من المخاوف المتزايدة عالمياً وإقليمياً من متحور فيروس كورونا والمسمّى “دلتا”، من المتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي في الشرق الأوسط بنسبة 2.6% هذا العام، مرتفعاً بمقدار 0.2 نقطة مئوية من تقديرات معهد المحاسبين القانونيين ICAEW للربع السابق. وسيؤدي تصاعد النشاط الاقتصادي إلى زيادة تسارع نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 4.4% في عام 2022.
وبحسب التقرير، استفادت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي من إعادة فتح الأسواق محلياً وعالمياً، وينبغي أن يستمر الزخم الإيجابي حتى عام 2022 مع زيادة إنتاج النفط. ويجب أن يعود إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي إلى مستويات ما قبل الجائحة في الربع الأول من 2022، مع تسارع النمو من 2.2% هذا العام، بزيادة 0.1 نقطة مئوية عن توقعات الربع الثاني، إلى 5.1% في 2022 وفقاً لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW.
ويُظهر مؤشر مدراء المشتريات الإقليميين (PMIs) نمواً مستمراً في القطاع غير النفطي عبر أرجاء المنطقة. وتتحسن ظروف العمل مدعومة بتسارع معدلات التطعيم، والنمو العالمي القوي. كما تشير المستويات المحسنة للإنتاج والأعمال الجديدة والتوظيف إلى مزيد من الانتعاش والتعافي.
ولعل التحضير لانطلاقة الفعاليات الإقليمية الكبرى، بما في ذلك معرض إكسبو 2020 دبي المؤجل في دولة الإمارات العربية المتحدة وكأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر، واستراتيجية الاستثمار القوية للمملكة العربية السعودية، من شأنه أن يدعم توسيع النشاط. وبشكل عام، يتوقع معهد المحاسبين القانونيين ICAEW نمواً للقطاع غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 3.1% و 3.9% هذا العام وفي 2022 على التوالي.
وبالرغم من زيادة انتشار متحور “دلتا” والمخاوف بشأن متحوّرات “كوفيد-19” المستقبلية، أعادت الحكومات في المنطقة فتح حدودها، في الغالب للمسافرين الذين تلقوا التطعيم. وتمتلك العديد من دول المنطقة، بما في الإمارات وقطر، أعلى معدلات التطعيم على مستوى العالم، مما يضعها في مكانة جيدة لجذب السياح والقوى العاملة، حتى مع أن السفر يستغرق وقتاً لاستعادة نشاطه بالكامل لمستويات ما قبل الجائحة.
وبادرت دولة الإمارات العربية المتحدة بمنح فئات جديدة لتأشيرات الإقامة للعاملين بنظام جزئي ورواد الأعمال، مما يوفر مرونة أكبر لكفالة العائلات، ومزيداً من الوقت للوافدين للعثور على وظيفة قبل مغادرة الدولة بعد التسريح من وظائفهم. كما تخطط الدولة لمنح التأشيرات “الخضراء” – وهي تصاريح عمل لا تتطلب كفالة – لذوي الإنجازات العالية والمستثمرين ورجال الأعمال والطلبة المتميزين والخبراء، في محاولة لتنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على النفط.
وقال مايكل آرمسترونغ، المدير الإقليمي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا: “نشيد بالإصلاحات والسياسات التي طبقتها حكومات الشرق الأوسط لحماية اقتصاداتها. وقد ساهم هذا، إلى جانب استجابتها السريعة لاحتواء انتشار فيروس كورونا، في التعافي بشكل أسرع. ومع ذلك، فقد نتج عن العام الماضي أيضاً مجموعة مقنعة من الدلائل على التهديد الناجم عن تغير المناخ. وقد أدى ذلك إلى زيادة النقاش حول كيف يمكن للبلدان “إعادة البناء بشكل أفضل”. ولحسن الحظ، نرى حكومات المنطقة تكثف جهودها وتقدم التزامات طموحة ومبادرات صديقة للبيئة”.
وفي قطاع النفط، هناك طلب متزايد على الصعيد العالمي. وتوصلت مجموعة أوبك+، التي تقود اتجاهات إمدادات النفط، إلى اتفاق في يوليو لزيادة الإنتاج بشكل تدريجي كل شهر حتى ديسمبر 2022. ومن المتوقع أن تشهد سوق النفط عجزاً هذا العام، ثم تنتقل إلى زيادة متواضعة في الإمدادات في 2022، حيث يتسارع نمو الإنتاج بمعدلات أكبر من الطلب العالمي. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن يبلغ متوسط سعر نفط برنت 64 دولاراً أميركياً للبرميل في 2022 ثم 60 دولاراً أميركياً في 2023، وفقاً لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW.
ومع تركيز الحكومات الإقليمية على إصلاح سياساتها المالية العامة، ظل الإنفاق مقيداً. وأفاد معهد المحاسبين القانونيين ICAEW بأن العجز الكلي في موازنات دول المنطقة سيتقلص إلى أقل من 2% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهي أصغر فجوة منذ العام 2014.
من جانبه، قال سكوت ليفرمور، المستشار الاقتصادي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW وكبير الخبراء الاقتصاديين في “أكسفورد إيكونوميكس”: “تدعم ديناميكيات قطاع النفط الأوضاع المالية لدول مجلس التعاون الخليجي، بالنظر إلى أن ما بين 40% إلى 90% من إجمالي عائدات الاقتصادات تأتي من النفط. وهذا جيد بالنسبة للدخل الحكومي، ويمكنه أن يتحول إلى الاستثمار، وزيادة الإنفاق الاستهلاكي، والنمو غير النفطي”.
وبلغ التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي ذروته، على الرغم من ارتفاع تكاليف المواد الغذائية والشحن على مستوى العالم. ومع تلاشي الآثار الأساسية من زيادة ضريبة القيمة المضافة في السعودية العام الماضي، انخفض التضخم السنوي في يوليو. وبشكل عام، من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم الإقليمي 2.9% هذا العام قبل أن يتراجع إلى ما دون 2% في 2022-2023. ويعني انخفاض التضخم أن البنوك المركزية في المنطقة لن تضطر إلى القلق بشأن رفع أسعار الفائدة على المدى القريب.
وفي بلدان أخرى من الشرق الأوسط، من المرجح أن يظل النمو في إيران متواضعاً هذا العام عند حوالي 2.9%، في حين أن ارتفاع إنتاج النفط من شأنه أن يوفر دفعة لاقتصاد العراق وموازنته المالية. أما في لبنان، تواجه الحكومة الجديدة تحديات اقتصادية هائلة، مع احتمال ضئيل لتعافي النشاط على المدى القريب. ويمر البلد بعامه الرابع على التوالي من الانكماش الاقتصادي، حيث تقلص إجمالي الناتج المحلي بنسبة 5.8% هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 20.3% في 2020. ويتوقع معهد المحاسبين القانونيين ICAEW أن الأمر سيستغرق حوالي 15 عاماً حتى يعود إجمالي الناتج المحلي في لبنان إلى مستواه في العام 2019.