بيزنس نيوز: قال كريم شريف شريك لدى بين آند كومباني ، الشرق الأوسط : لأكثر من قرن من الزمان، عملت الشركات على تحسين سلاسل الإمداد لتصبح خطية وأكثر كفاءة، بحيث تتدفق المواد الخام في أحد الاتجاهات وتتحول إلى منتج قبل استخدامه ومن ثم التخلص منه. أما الآن، فقد أصبح هذا النهج سببًا يعرّض تنافسية الشركة للخطر.
ولضمان استمرار الإمداد في ظل التقلب المتزايد في مشهد الأعمال، تحتاج الشركات إلى شبكات أكثر قدرة على الصمود في وجه التغيرّات؛ فالتغير الدائم في رغبات المستهلكين ومتطلباتهم يعني ضرورة رفع مستوى المرونة والسرعة، كما أن المستثمرين والمستهلكين والحكومات يتوقعون الحصول على منتجات وعمليات أكثر استدامة، تدعمها شهادات تثبت استدامتها. ولهذا فإن التميّز وتحقيق الأرباح في العقد المقبل سيتطلب سلسلة قيمة دورانية تتسم بالشفافية وتقلل استخدام المواد أو تعيد استخدامها وتصنيعها أو تعيد تدوير المنتجات – الأمر الذي يساهم في تخفيض التكلفة وتقليل النفايات.
لا شك أنها نقلة نوعية كبيرة، تحتاج إلى تقنيات – موجودة – لتتبع كل مادة من المواد الخام المستخدمة في صنع المنتج، ومن ثم متابعة كيفية استخدام المنتج ومكان التخلص منه؛ فقابلية التتبع الرقمي تسمح للشركات بتحقيق مجموعة أوسع من أهداف الأعمال والموازنة بينها، بما فيها الكفاءة والمرونة والاستجابة والاستدامة. كما أنها تمكّن الشركات من إعادة رسم حدود التميز التشغيلي ووضع أهداف طموحة جديدة.
قابلية التتبع: ما هو دورها الفعلي؟
- تستطيع الشركات تتبع المنتجات والسلع أثناء تنقلها في سلسلة القيمة للحصول على معلومات دقيقة حول منشأ المدخلات وممارسات التوريد وعمليات التحويل.
- بوسع الشركات وضع التوقعات والتعامل مع السيناريوهات لتحسين العمليات التشغيلية بشكل ديناميكي
- تقدم أفرقة القيادة خدمات أفضل للعملاء وتحدد مناطق الاستهلاك غير الضروري للموارد وتستجيب بشكل أسرع للتغيرات في الطلب، وتلبي الطلبات بكفاءة أعلى.
- يمكن للقادة تحديد الفرص الاستراتيجية في سلسلة القيمة وتسريع الابتكار وتقليل أثر الانقطاعات الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى اعتماد العمليات والمنتجات المستدامة.
- تشهد الشركات نموًا أكبر في إيراداتها بالتزامن مع انخفاض التكلفة وزيادة حصتها في السوق وتحسين العائد على الاستثمار والعائد المتحقق للمعنيين.
ويساهم رواد تقنيات التتبع في صياغة المعايير والأنظمة في قطاعاتهم، أما الشركات التي لا تستثمر في هذه التقنية فستكون أكثر عرضة للتأثر بانقطاعات سلسلة الإمداد والادعاءات المتعلقة بسلامة المنتج أو منشئه. وبدأنا نشهد بالفعل كيف بدأت الشركات التي تدير سلاسل الإمداد القابلة للتتبع في بعض القطاعات بالتفوق على المنافسين ممن لم يتخذوا هذه الخطوة.
التطور السريع في تقنيات التتبع
نتوقع خلال العقود المقبلة أن تتجمع الشركات ضمن فئتين مختلفتين من منحنيات الأداء، وهما منحنى الأداء الأعلى للشركات التي تستثمر في قابلية التتبع، ومنحنى الأداء الأدنى لتلك التي لا تمتلك قابلية التتبع.
ويظهر استطلاع “بين” حول حالة قابلية التتبع عالميًا، وهي دراسة استشارية أجريت بمشاركة 150 رائدًا في مجال سلسلة الإمداد، أن 68 في المائة من المسؤولين التنفيذيين يعتبرون قابلية التتبع “أمرًا ذا أهمية قصوى”. ولكن العديد من أفرقة القيادة وجدت أن التنفيذ أمر معقد للغاية، فرغم استثمارات الشركات في تحسين قابلية التتبع، لم يبدأ سوى 58 في المائة منها فقط بتلك الرحلة، ولم تحقق سوى 15% منها قيمة ملموسة.
نهج ثلاثي لتحقيق النجاح في التتبع
- تدرس الشركات أولًا كيف يمكن لتقنيات التتبع أن ترسي أسس الأداء المتقدم لسلسلة الإمداد.
- غالبًا ما يحدث ذلك بالتزامن مع الخطوة الأولى، إذ تعمد الشركات إلى بناء مجتمع القادة وداعمي التمكين والشركاء المحتملين للتعلم منهم؛ فتبادل قصص النجاح والفشل يحسّن الأداء في جميع مراحل سلسلة القيمة.
- تعقد الشراكات مع الجهات التنظيمية وواضعي السياسات للمساعدة في إثراء وصياغة المخرجات الحكومية التي تدعم وتسرّع الاستدامة.
الاستدامة وقابلية التتبع: العلاقة بينهما
يوجه إلينا أحيانًا سؤال حول الرابط بين الاستدامة وقابلية التتبع، وهي نقطة مهمة للغاية وكثيرًا ما يساء فهمها؛ فقابلية التتبع هي القدرة على متابعة المواد من بداية سلسلة الإمداد وصولًا إلى العميل الذي يشتري المنتج، وهي بذلك تقوم بدورين يدعمان الاستدامة:
- توفير إمكانية رؤية المدخلات والعمليات عبر سلسلة القيمة
- توفير معلومات المصدر لإعداد شهادات المنشأ والاستدامة
تنفيذ حلول التتبع لتعزيز التنافسية
تتمثل الخطوة الأولى هنا في تحديد النقطة التي يحقق فيها التتبع أعلى قيمة للشركة. وتواجه أفرقة القيادة التي لا تحدد نقطة التركيز الأساسية في استثمارها خطر تعقيد سلاسل القيمة لديها، ومن المرجح أن تعمد إلى استثمار مبالغ أكبر من اللازم. ويمكن للإجابة على عدد من الأسئلة المهمة أن تساعد أفرقة القيادة في اختيار تطبيقات التتبع التي ستعود بالمردود الأعلى:
- ما الوضع الاستراتيجي للقطاع الذي تعمل فيه؟ وما الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها على المدى القريب والمدى الطويل؟
- ما العمليات أو المدخلات في المنتج التي يهتم بها العملاء أو الجهات التنظيمية أكثر من غيرها؟
- ما القدرات الجديدة التي تحقق الأفضلية التنافسية من حيث المردود الاقتصادي للوحدة أو الاستدامة أو القدرة على الصمود؟
- أين يمكن لسلسلة القيمة الدورانية أن تساهم في خلق فرص جديدة أو نماذج جديدة للأعمال؟
ويمكن لأفرقة القيادة تحديد السرعة التي تودّ التحرك بها عبر تقييم نقطة البداية للشركة والتزام المنافسين بقابلية التتبع. وهذه المقاربة مفيدة للشركات التي تتطلع إلى اللحاق بركب المنافسين وتلك التي تودّ التفوق على البقية، كما أنها تساعد في تحديد الشركاء المحتملين للمنظومة مما يعزز الأفضلية التنافسية للشركات كل على حدة، وللمنظومة بأكملها. وستتفوق الشركات التي تبني أفضل نموذج لتحقيق القيمة المرتبطة بقابلية التتبع على منافسيها بالتأكيد، ومن المرجح أن تتاح لكافة الشركات في المستقبل إمكانية الوصول إلى بيانات التتبع – لتفوز الشركات التي تستخدم تلك البيانات بمهارة لتحسين عمليات ومخرجات الأعمال.
ويتزايد الضغط على أفرقة القيادة في جميع القطاعات بشكل ملحوظ لتحسين الاستدامة والأداء والقدرة على الصمود في ظل التقلب المتزايد في الاقتصاد العالمي. ويمكن لقابلية التتبع مساعدة الشركات على تحقيق تلك الأهداف الثلاثة واكتساب أفضلية تنافسية ملموسة. أما المردود المتحقق من إتقان ذلك فهو كبير ومهم – إذ ستتمكن الشركات التي تكتسب قدرات متينة للتتبع من تقديم المنتج المناسب في المكان والوقت المناسبين وبالمستوى الصحيح من السرعة والمواصفات الدقيقة، وكل ذلك بتكلفة منافسة. كما ستتمكن من تلبية أهم متطلبات الاستدامة والمتطلبات التنظيمية للجهات المعنية، فيما تتمتع بقدرة أكبر على الصمود في وجه صدمات العرض والطلب. وهذه القدرات ستحقق قدرًا أكبر من النمو والربح وستسمح بوجود نماذج جديدة للأعمال.