حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين في عام 2022 ما يقرب من 690 مليار دولار، منها 536 مليار دولار صادرات صينية مقابل 153 مليارا صادرات أميركية، وحققت الصين فائضا تجاريا (عجزا على الجانب الأميركي) بلغ 283 مليارا
بزنس نيوز:
الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين هو واحد من أكثر القضايا إثارةً للجدل في العالم اليوم. فبينما يتمتع هؤلاء البلدين بأكبر اقتصادين في العالم، فإنهما يتصارعان على مجموعة متنوعة من القضايا الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية. يعكس هذا الصراع نموذجًا للتنافس الاقتصادي الحديث بين الدول، حيث يتعين على البلدين الوجود جنبًا إلى جنب في سوق عالمية متصلة بشكل لم يسبق له مثيل. سأقدم في هذا المقال تحليلًا شاملًا لأسباب هذا الصراع وتأثيراته والآفاق المستقبلية حيث تتصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومنطقة الشرق الأوسط الغنية بالغاز حيث تتنافس الدولتان على النفوذ والتأثير في هاتين المنطقتين الحيويتين.
يُعتبر الممر الاقتصادي الذي أطلقته الولايات المتحدة ودول الخليج العربي والأردن والاتحاد الأوروبي، على هامش قمة العُشرين في نيودلهي، بمثابة تحدٍ لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
ويتشابه الممر الاقتصادي مع مبادرة الحزام والطريق الصينية في أنه يهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول المشاركة، وخلق فرص عمل جديدة، وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ومع ذلك، هناك بعض الاختلافات المهمة بين الممر الاقتصادي ومبادرة الحزام والطريق الصينية، منها:
- المنهجية: يعتمد الممر الاقتصادي على الشراكة بين القطاع الخاص والحكومات المشاركة، بينما تعتمد مبادرة الحزام والطريق الصينية بشكل أساسي على التمويل الحكومي الصيني.
- الأهداف: يهدف الممر الاقتصادي إلى تعزيز التعاون بين الدول المشاركة، بينما تسعى مبادرة الحزام والطريق الصينية إلى تعزيز النفوذ الصيني في المنطقة.
- التمويل: يعتمد الممر الاقتصادي على التمويل من القطاع الخاص والحكومات المشاركة، بينما تعتمد مبادرة الحزام والطريق الصينية بشكل أساسي على التمويل الحكومي الصيني.
من المتوقع أن يؤدي إطلاق الممر الاقتصادي إلى زيادة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وقد يؤدي ذلك إلى تقسيم المنطقة إلى كتلتين، واحدة بقيادة الولايات المتحدة وأخرى بقيادة الصين.
وفيما يلي بعض السيناريوهات المحتملة لتأثير الممر الاقتصادي على مبادرة الحزام والطريق الصينية:
- السيناريو الأول: قد يؤدي الممر الاقتصادي إلى إضعاف مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث قد تختار بعض الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق الصينية الانضمام إلى الممر الاقتصادي بدلاً من ذلك.
- السيناريو الثاني: قد يؤدي الممر الاقتصادي إلى تعزيز مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث قد تسعى الصين إلى تحسين مبادرة الحزام والطريق الصينية لتنافس الممر الاقتصادي.
- السيناريو الثالث: قد يؤدي الممر الاقتصادي إلى التعايش مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث قد تستمر الدول المشاركة في كلا المشروعين.
من الصعب تحديد السيناريو الأكثر ترجيحًا، حيث سيعتمد ذلك على عدد من العوامل، بما في ذلك:
- النجاح الذي يحققه الممر الاقتصادي
- رد فعل الصين على الممر الاقتصادي
- تطورات الأحداث في منطقة المحيطين الهندي والهادئ
وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها، إلا أن الممر الاقتصادي يمثل خطوة مهمة في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول المشاركة، ومواجهة النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة.
وفي إطار هذه المنافسة، أعلنت الولايات المتحدة مؤخراً عن مبادرة جديدة للاستثمار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أطلق عليها اسم “مبادرة الشراكة الاقتصادية الشاملة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ” (IPEF). وتستهدف هذه المبادرة 13 دولة في المنطقة، وتركز على مجالات التجارة والبنية التحتية والتكنولوجيا والصحة.
يأتي هذا الإعلان في سياق التعارض بين مشروع الحزام والطريق (BRI) الذي تقوده الصين، والممر الاقتصادي الذي تتبناه الولايات المتحدة. وتعارض مشروعي الحزام والطريق والممر الاقتصادي في عدد من الجوانب، بما في ذلك الأهداف والغايات، والتمويل، والتأثير على الأمن القومي.
التأثير على الأمن القومي الأمريكي
يثير مشروع الحزام والطريق مخاوف الولايات المتحدة بشأن التأثير الأمني لاستثمارات الصين في الدول النامية. وتخشى الولايات المتحدة من أن يمكن استخدام هذه الاستثمارات لتوسيع نفوذ الصين العسكري والاقتصادي في هذه الدول.
أما الممر الاقتصادي الذي تتبناه الولايات المتحدة، فيهدف إلى تعزيز الأمن القومي الأمريكي من خلال تعزيز التعاون مع الدول الحليفة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
تشير التطورات الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة والصين في مواجهة جديدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ويتمثل هذا التعارض في مشروعي الحزام والطريق والممر الاقتصادي، اللذان يعكسان المنافسة الأمريكية الصينية في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والسياسة والأمن.
زيادة التوترات بين الولايات المتحدة والصين
يؤدي التعارض بين مشروعي الحزام والطريق والممر الاقتصادي إلى زيادة التوترات بين لولايات المتحدة والصين مما قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد في المنافسة بينهما كما يمكن أن يؤدي هذا التعارض إلى تقسيم منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى كتلتين، واحدة بقيادة الولايات المتحدة وأخرى بقيادة الصين مما يؤثر سلبا على الدول النامية التي تقع في منطقة الصراع بينهما.
أسباب الصراع
1. التجارة والتوازن التجاري:
تعتبر قضية التجارة والتوازن التجاري من أبرز القضايا في الصراع بين الولايات المتحدة والصين. تشير الإحصائيات إلى أن الصين تصدر سلعًا إلى الولايات المتحدة بقيمة تفوق وارداتها منها بكثير، مما يؤدي إلى فائض تجاري هائل لصالح الصين. يعتبر القادة الأمريكيون أن هذا الفائض يؤدي إلى فقدان فرص عمل في الولايات المتحدة وتدهور صناعاتها المحلية. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين في عام 2022 ما يقرب من 690 مليار دولار، منها 536 مليار دولار صادرات صينية مقابل 153 مليارا صادرات أميركية، وحققت الصين فائضا تجاريا (عجزا على الجانب الأميركي) بلغ 283 مليارا.
وتشكل الصين أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، كما أن الولايات المتحدة هي أكبر شريك تجاري للصين. وتمثل التجارة بين البلدين حوالي 15٪ من التجارة العالمية.
وتشمل أهم صادرات الصين إلى الولايات المتحدة السلع الاستهلاكية مثل الملابس والإلكترونيات والمنتجات الزراعية، بينما تشمل أهم صادرات الولايات المتحدة إلى الصين السلع الصناعية مثل المعدات والمواد الخام.
وتواجه التجارة بين الولايات المتحدة والصين عددًا من التحديات، بما في ذلك التعريفات الجمركية والحواجز غير الجمركية، فضلاً عن المخاوف الأمنية المتعلقة بالتكنولوجيا المتقدمة.
2. الملكية الفكرية والتكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس 5G
اتهمت الولايات المتحدة الصين بانتهاك حقوق الملكية الفكرية والسرقة التكنولوجية منذ سنوات عديدة. وقد قدمت الحكومة الأمريكية أدلة على أن الصين تمارس مجموعة متنوعة من الممارسات التي تنتهك حقوق الملكية الفكرية الأمريكية، بما في ذلك:
- إجبار الشركات الأمريكية على نقل التكنولوجيا إلى الشركات الصينية كشرط لدخول السوق الصينية.
- سرقة التكنولوجيا الأمريكية من خلال هجمات إلكترونية أو القرصنة.
- دعم المؤسسات الصينية التي تقوم بتطوير تكنولوجيا أمريكية مسروقة.
وقد أدت هذه الاتهامات إلى تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية على الواردات الصينية، وردت الصين بفرض تعريفات جمركية على الواردات الأمريكية.
وفيما يلي بعض الأمثلة المحددة على الممارسات الصينية التي تنتهك حقوق الملكية الفكرية الأمريكية:
- في عام 2012، وجدت لجنة تجارية مشتركة بين الولايات المتحدة والصين أن الصين كانت مسؤولة عن خسارة الولايات المتحدة 225 مليار دولار في مبيعات التكنولوجيا في عام 2011.
- في عام 2018، وجدت وزارة التجارة الأمريكية أن شركة Huawei الصينية كانت مسؤولة عن سرقة تكنولوجيا لشركة T-Mobile الأمريكية.
- في عام 2021، وجدت وزارة العدل الأمريكية أن شركة ZTE الصينية كانت مسؤولة عن انتهاك حقوق الملكية الفكرية الأمريكية في 12 حالة مختلفة.
وجدد مسؤولون أمريكيون مخاوفهم الأمنية من التكنولوجيا المستخدمة في هواتف هواوي الجديدة، قائلين إن هذه التكنولوجيا يمكن أن تستخدم لأغراض أمنية.
وقال المسؤولون إنهم قلقون من أن الصين يمكن أن تستخدم التكنولوجيا المستخدمة في هواتف هواوي الجديدة لتتبع المستخدمين دون علمهم، أو للتجسس عليهم، أو لشن هجمات إلكترونية.
وأشار المسؤولون إلى أن هواوي تمتلك حصة كبيرة في سوق تكنولوجيا الهواتف المحمولة، مما يمنح الصين سيطرة كبيرة على هذه التكنولوجيا. كما أشاروا إلى تاريخ هواوي في انتهاك حقوق الملكية الفكرية، والعلاقات الصينية مع الحكومات الاستبدادية.
وقال المسؤولون إنهم يبحثون عن طرق للحد من مخاوف الأمن القومي المتعلقة بهواتف هواوي الجديدة، بما في ذلك زيادة المراقبة على هذه الهواتف، وتطوير التكنولوجيا البديلة، والتعاون مع الدول الأخرى لفرض قيود على استخدام معدات التكنولوجيا الصينية.
من جانبها، نفت هواوي أي أنشطة غير قانونية أو غير أخلاقية. وزعمت هواوي أن الولايات المتحدة تستخدم مخاوف الأمن القومي كذريعة لعرقلة منافستها التجارية. وقالت هواوي إنها تعمل على تطوير تقنيات أمان جديدة لتعزيز ثقة المستخدمين.
وتأتي مخاوف الولايات المتحدة من التكنولوجيا المستخدمة في هواتف هواوي الجديدة في إطار التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين. وقد فرضت الولايات المتحدة قيودًا على استخدام معدات التكنولوجيا الصينية في شبكات الجيل الخامس 5G، كما أنها تعمل على تعزيز قدراتها في مجال التكنولوجيا المتقدمة.
وقد نفت الحكومة الصينية هذه الاتهامات، وزعمت أن الولايات المتحدة تبالغ في حجم مشكلة انتهاك حقوق الملكية الفكرية في الصين.
3. التحكم في القطاعات الحيوية:
تُعد القطاعات الحيوية مثل الذكاء الاصطناعي والشبكات الجيل الخامس 5G من المجالات الرئيسية للصراع بين الولايات المتحدة والصين. وترى الولايات المتحدة أن الصين تشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي من خلال جهودها لتطوير التكنولوجيا المتقدمة في هذه المجالات.
يعد الذكاء الاصطناعي أحد المجالات الرئيسية للبحث والتطوير في كل من الولايات المتحدة والصين. وترى الولايات المتحدة أن الصين تتقدم بسرعة في مجال الذكاء الاصطناعي، وأن هذه التقدمات يمكن أن تستخدم لأغراض عسكرية، مثل تطوير أسلحة ذاتية القيادة.
وقد فرضت الولايات المتحدة قيودًا على تصدير التكنولوجيا ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي إلى الصين، كما أنها تعمل على تعزيز قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي.
تعد الشبكات الجيل الخامس 5G من التقنيات الأساسية للبنية التحتية الرقمية. وترى الولايات المتحدة أن الصين تسعى إلى السيطرة على التكنولوجيا الأساسية للشبكات الجيل الخامس 5G، وأن هذا يمكن أن يمنح الصين ميزة استراتيجية في مجال التكنولوجيا.
وقد فرضت الولايات المتحدة قيودًا على استخدام معدات التكنولوجيا الصينية في شبكات الجيل الخامس 5G، كما أنها تعمل على تطوير تقنيات بديلة لمعدات التكنولوجيا الصينية.
تأثيرات الصراع
تؤثر التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشكل سلبي على النمو الاقتصادي العالمي. فبما أن البلدين هما أكبر شريكين تجاريين في العالم، فإن أي تباطؤ في التجارة بينهما يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي عالمي.
كما تسبب رسوم الاستيراد والتعريفات الجمركية في تزايد تكاليف السلع والمنتجات التي تستوردها الولايات المتحدة من الصين، وهو ما يمكن أن يؤثر على المستهلكين الأمريكيين عبر زيادة أسعار المنتجات وقد تؤدي توترات الصراع إلى عرقلة الاستثمارات وتخفيف الثقة في الأسواق المالية. يتردد المستثمرون في إجراء استثمارات طويلة الأمد بسبب عدم اليقين الاقتصادي.
الآفاق المستقبلية
إن الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين هو قضية معقدة تشكل تحديات وفرصًا على الساحة العالمية. يتوقف مساره على القرارات والإجراءات التي سيتخذها كل بلد، وعلى التفاهم المشترك والحوار الدبلوماسي. من المهم مراقبة تطورات هذا الصراع بعناية والعمل على تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والسياسية من أجل الاستقرار العالمي.