محمد حشاد، كبير استراتيجي الأسواق في نور كابيتال
أنهت أسواق المال العالمية تعاملات الأسبوع الماضي بتغلب أصول المخاطرة على الملاذ الآمن بعد ظهور بيانات ألقت الضوء على استقرار التضخم في الولايات المتحدة، مما أثار تكهنات بإمكانية أن يخفض الفيدرالي الفائدة نهاية العام الجاري. كما ينتظر المستثمرون في أسواق المال العالمية بيانات التوظيف الأمريكية الأسبوع المقبل التماساً إلى إشارات لمستقبل الفائدة الفيدرالية.
الأسهم الأمريكية
تعرضت الأسهم الأمريكية لخسائر أسبوعية محدودة، لكنها ارتفعت في ختام تعاملات الجمعة عقب ظهور بيانات التضخم في شكل مؤشرات نفقات الاستهلاك الشخصي.
لكن على مدار أيام الأسبوع الماضي، باستثناء اليوم الأخير منه، كانت هناك عوامل سلبية عدة أثرت على أداء الأسهم في وول ستريت، إذ سجلت القراءة السنوية للناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة ارتفاعاً بـ1.3% في الربع الأول من العام الجاري، وهو أقل مما سجلته القراءة السابقة من ارتفع بـ1.6%. بحسب نور كابيتال.
وأعلنت شركة “سالزفورس” نتائج الأداء المالي في الربع الأول من 2024، والتي ألقت الضوء على تراجع في المبيعات علاوة على نظرة مستقبلية سلبية لأداء الشركة.
وتراجع سهم “إنفيديا” أيضاً بسبب هذه العوامل السلبية، لكنه لا يزال محافظاً على ارتفاع بحوالي 130% منذ بداية العام الجاري.
النفط
أثار قرار أوبك+ تمديد خفض إنتاج النفط حتى عام ٢٠٢٥ جدلاً واسعاً في سوق النفط العالمية، حيث تباينت ردود الفعل وأثيرت تساؤلات حول تأثير هذا القرار على أسعار النفط والحصة السوقية وديناميكيات العمل داخل المجموعة.
تأثير قرار أوبك+ على أسعار النفط والأسواق: على المدى القصير، من المتوقع أن يدعم تمديد خفض الإنتاج أسعار النفط، مع احتمالية ارتفاعها. إن خفض المعروض من النفط سيؤدي على الأرجح إلى سوق أكثر تشدداً، خاصة في ظل استمرار قوة الطلب العالمي. ومع ذلك، يرى المحللون أن السوق قد استوعبت بالفعل جزءاً من تأثير خفض الإنتاج، مما يحد من الارتفاع الفوري للأسعار. أما على المدى الطويل، فإن الصورة أقل وضوحاً. ففي حين أن خفض الإنتاج قد يُبقي الأسعار مرتفعة، فإن الإلغاء التدريجي للتخفيضات الطوعية يشير إلى نية تحالف أوبك+ تحقيق التوازن في السوق وتجنب ارتفاع الأسعار بشكل مفرط. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر عوامل مثل النمو الاقتصادي العالمي والتوتر الجيوسياسي والتحول نحو الطاقة البديلة بشكل كبير على أسعار النفط في السنوات المقبلة. على سبيل المثال، بعد أن انخفض خام برنت إلى أدنى مستوى له في الجلسة عند 80.55 دولاراً، انخفضت العقود الآجلة الأمريكية للخام غرب تكساس الوسيط تسليم شهر يوليو سنتاً واحداً، أو 0.01 بالمائة، إلى 76.98 دولاراً، بعد أن انخفضت إلى 76.39 دولاراً في وقت سابق.
أنهى النفط تعاملات الأسبوع الماضي بخسائر بسبب التراجع في شهية المخاطرة الناتج عن تصاعد توقعات التمهل في خفض الفائدة من قبل الفيدرالي على مدار الأيام الأولى من الأسبوع الماضي.
كما أسهمت قوة الدولار الأمريكي في الإضافة إلى معاناة المعدن الأسود، إذ ظهرت بيانات ألقت الضوء على ضعف النمو الأمريكي، مما أدى إلى تدهور في شهية المخاطرة في الأسواق.
كما أشار تقرير نور كابيتال أن هناك علاقة مباشرة بين النمو في الولايات المتحدة، أكبر اقتصادات العالم، وأسعار النفط العالمية. فتباطؤ النمو الأمريكي يعني بدون أدنى شك تراجع الطلب على النفط لدى أكبر اقتصادات العالم.
وتراجعت العقود الآجلة للنفط بنوعيها في نهاية الأسبوع الماضي بسبب تأرجح توقعات خفض الفائدة وقراءات النمو الأمريكي. وتعرضت العقود الآجلة للخام الأمريكي لخسائر بحوالي 0.9% في حين هبطت العقود لآجلة لخام برنت بأكثر من 1.00%.
الدولار الأمريكي
لم يتمكن الدولار الأمريكي من التماسك في الاتجاه الصاعد الأسبوع الماضي بسبب البيانات التي جاءت في صالح استقرار الأسعار في الولايات المتحدة عقب ظهور مؤشرات نفقات الاستهلاك الشخصي التي يعتبرها الفيدرالي الأكثر مصداقية واعتمادية في التعبير عن التضخم في البلاد.
سجل مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي في الولايات المتحدة ارتفاعاً بـ0.3% في إبريل الماضي، وهو ما يشير إلى أن تغييراً لم يطرأ على المؤشر على الإطلاق مقارنةً بالقراءة السابقة والتوقعات التي سجلت نفس الرقم.
وسجلت القراءة السنوية للمؤشر ارتفاعاً 2.7% الشهر الماضي، وهو نفس الرقم المسجل في قراءة الشهر السابق. ويلقي هذا الضوء على أن قراءات هذا المؤشر الهام بالنسبة للفيدرالي لم تشهد أي تغيير في إبريل الماضي مقارنة بالشهر السابق، وهو ما يتوافق مع توقعات المستثمرين في أسواق المال العالمية.
أما المبشر في الأمر، فهو أن قراءات نفقات الاستهلاك الشخصي التي تستثني أسعار الغذاء والطاقة كونها الأكثر تذبذباً بين مكونات هذه الأسعار، وهي القراءات التي يعتمد عليها الفيدرالي، ملتمساً فيها المزيد من الدقة.
وسجلت القراءة الشهرية لنفقات الاستهلاك الشخصي باستثناء أسعار الغذاء والطاقة ارتفاعاً بواقع 0.2% في إبريل الماضي، وهو ما جاء أقل من القراءة السابقة التي ارتفعت بـ0.3% متوافقاً مع توقعات السوق.
وكانت النتيجة تراجع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة العملات الرئيسية، إلى 104.62 نقطة مقابل الإغلاق اليومي الماضي الذي سجل 104.74 نقطة. وارتفع المؤشر على أساس أسبوعي إلى أعلى مستوى له في تلك الفترة عند 105.11 نقطة مقابل أدنى المستويات الذي سجل 104.37 نقطة.
اليورو
كانت هناك عدة عوامل أدت إلى تماسك اليورو في الاتجاه الصاعد بمكاسب هزيلة، لكنها على أي حال أبقته في الاتجاه الصاعد. وتضمنت تلك العوامل بيانات اقتصادية وعوامل ذات صلة بالسياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي.
ولم تشهد قراءة مؤشر Ifo الألماني لمناخ الأعمال أي تغيير في مايو الجاري مقابل القراءة السابقة التي سجلت 89.3 نقطة مقابل التوقعات التي أشارت إلى إمكانية الارتفاع إلى 90.4 نقطة.
كما حقق النمو في ألمانيا، أكبر اقتصادات منطقة اليورو، ارتفاعاً طفيفاً بـ0.2% في الربع الأول من 2024 بعد انكماش الاقتصاد في الربع الأخير من العام الماضي.
ورجح يواكيم ناجل، محافظ البنك المركزي الألماني، الاثنين الماضي أن خفض الفائدة الأوروبية قد يكون في يونيو المقبل، مستبعداً أن تؤثر المخاوف حيال نمو الأجور في منطقة اليورو في هذا القرار المحتمل. وارتفع نمو الأجور الأوروبي إلى 4.7% مقابل القراءة السابقة التي سجلت 4.5%.
رغم ذلك، أكد ناجل إن خفض الفائدة في يونيو لا يعني بالضرورة أن يشهد الشهر المقبل سلسلة من قرارات خفض الفائدة، إذ يعتمد كل قرار على ما يستجد من بيانات أوروبية قبل إعلانه.
واعتمدت العملة الأوروبية الموحدة على ضعف الدولار الأمريكي الأسبوع الماضي، خاصة بعد ظهور دفعة بيانات نفقات الاستهلاك الشخصي التي ألقت الضوء على توافق التضخم الأمريكي مع توقعات الأسواق.
وأدت تلك العطلات إلى غياب أغلب المؤثرات القوية في حركة السعر في الأسواق علاوة على غياب البيانات الاقتصادية الهامة على المفكرة الاقتصادية.
العملات المشفرة
شهدت أسواق الرقمية تذبذباً حاداً على مدار الأسبوع الماضي، كما تأثرت العملة المشفرة الأكبر من حيث حجم التعاملات والأوسع انتشاراً على مستوى العالم – البيتكوين – بتحركات الأسهم في وول ستريت والدولار الأمريكي على مدار تلك الفترة.
لكن الحدث الأهم الذي أثر في تحركات العملات المشفرة كان بداية السلطات الأرجنتينية المعنية مناقشات مع الهيئة الوطنية للأصول الرقمية في السلفادور حول تبني العملات المشفرة كعملات يتم إجراء التعاملات بها واعتمادها رسمياً في البلدين والقواعد التي من شأنها أن تحكم ذلك.
الأسبوع الحالي
تنتظر الأسواق الأسبوع المقبل أحداثاً هامة في مقدمتها بيانات التوظيف الأمريكية الأهم والأكثر تأثيراً على حركة السعر على مدار الشهر. وبحسب نور كابيتال تأتي هذ البيانات وسط توقعات بأن يكون لهذه التقارير أثراً كبيراً على قرار الفيدرالي الذي يصدر الأسبوع التالي، خاصة بعد صدور بيانات التضخم الأسهم على الإطلاق بالنسبة للبنك المركزي.
وتأتي بيانات التوظيف لمايو الماضي بعد أن شدد عدد من صناع السياسة النقدية في الفيدرالي على أهمية تنفيذ البنك المركزي تكليفه الثنائي المتمثل في تحقيق الحد الأقصى من التوظيف مع الحفاظ على استقرار الأسعار في الولايات المتحدة.
وأظهرت بيانات التوظيف الشهر السابق ارتفاع عدد الوظائف التي أضافها الاقتصاد الأمريكي إلى 175000 وظيفة فقط في إبريل الماضي، وهو ما جاء أدنى من توقعات الأسواق. كما ارتفع معدل البطالة إلى 3.9%، وهي الأوضاع التي ألقت الضوء على تراجع في أداء سوق العمل الأمريكي الأمر الذي يصب في صالح توقعات التمهل في خفض الفائدة.
كما يظهر عدد من تقارير الأرباح لشركات هامة، أبرزها شركة نيو الصينية للسيارات الكهربائية، و”كراودسترايك”، ولولوليمون، وجيتلاب، وسايك.
التأثير على حصة أوبك+ السوقية: يمكن أن يؤثر قرار تمديد خفض الإنتاج على حصة أوبك+ السوقية إيجاباً وسلباً. فمن ناحية، قد يؤدي الحفاظ على الانضباط الإنتاجي إلى تعزيز مكانة المجموعة كمسيطر رئيسي في سوق النفط. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تحفز التخفيضات طويلة الأمد المنتجين من خارج أوبك، وخاصة منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، على زيادة إنتاجهم وزيادة حصتهم السوقية.