دبي، الإمارات العربية المتحدة، 13 فبراير 2024: أكد معالي سعيد محمد الطاير، العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي، أن التحول إلى الطاقة المتجددة يعيد تشكيل ديناميكيات القوة العالمية، مشيراً إلى أهمية تحويل التحديات في قطاع الطاقة إلى فرص سانحة لتحقيق المزيد من التحول الأخضر والتنمية المستدامة وتعميم الفوائد على الجميع. جاء ذلك خلال الكلمة الرئيسة التي ألقاها معاليه تحت عنوان “التحولات العالمية في مستقبل قطاع الطاقة” ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات 2024.
وقال معالي سعيد الطاير: “أصبحت القمة العالمية للحكومات، التي تعقد تحت شعار “تشكيل حكومات المستقبل”، فعالية عالمية مميزة تجمع قادة الفكر والخبراء العالميين وصناع القرار من جميع أنحاء العالم للمشاركة والمساهمة في تطوير الأدوات والسياسات والنماذج التي تعتبر ضرورية في تشكيل الحكومات المستقبلية. وتعقد القمة هذا العام تحت الرعاية الكريمة لسيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، وتوجيهات سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، حيث استشراف المستقبل حاضر في فكر القيادة الرشيدة، ومكون أساسي في الخطط والاستراتيجيات الحكومية، فالرؤية السديدة للقيادة الرشيدة كانت، ولا تزال، العامل الرئيسي في ريادة دولة الإمارات العربية المتحدة في مختلف المجالات، بما في ذلك التحول العالمي في قطاع الطاقة من خلال الاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة. ويرتكز هذا الاتجاه على ضرورة حماية البيئة ومواجهة التغير المناخي وعلى ضوء انخفاض تكاليف تقنيات الطاقة المتجددة، مما يمكنها من منافسة الوقود الأحفوري التقليدي، في نفس الوقت.”
وأضاف معالي الطاير: “من منظور السياسات، هناك تركيز متزايد على إزالة الكربون وتعزيز العمل المناخي، حيث تضع العديد من البلدان والمناطق أهدافًا طموحة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة وزيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة، مما يشجع الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة والنظيفة ويخلق مجالات جديدة للابتكار، وفرص عمل جديدة في هذا القطاع. ومن منظور بيئي، يعد التحول إلى الطاقة المتجددة خطوة حاسمة في الحد من انبعاثات الكربون والتصدي لتغير المناخ، ويساعد التحول عن الوقود الأحفوري في التخفيف من تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري والحد من تلوث البيئة. ومن المهم ملاحظة أن تحول الطاقة لا يخلو من التحديات، حيث تمثل الطبيعة المتقطعة لمصادر الطاقة المتجددة تحديات أمام إنتاج وتخزين الطاقة. هذا بالإضافة إلى عدد من التحديات الرئيسية الأخرى، كضمان استدامة التعاون الدولي، وتوفير التمويل الأخضر، وتحسين سلاسل التوريد، والتغلب على احتكار التقنيات، والالتزام بالحوكمة الرشيدة، والتأكد من التحول الأخضر للجميع، وغيرها من التحديات. ومن المهم تحويل تلك التحديات إلى فرص سانحة لتحقيق المزيد من التحول الأخضر والتنمية المستدامة وتعميم الفوائد على الجميع. ومن الناحية الجيوسياسية، فإن للحرب الروسية الأوكرانية آثار بعيدة المدى على كلا البلدين وعلى المشهد الجيوسياسي الأوسع. وللحرب تأثير عميق على أسواق الطاقة، وخاصة في أوروبا، حيث تعتبر روسيا مورّداً رئيسيا للغاز والنفط إلى أوروبا، وأدت الحرب إلى عقوبات اقتصادية متبادلة مع روسيا في مختلف المجالات بما في ذلك قطاع الطاقة، حيث أدى الصراع عملياً إلى وقف معظم إمدادات الطاقة. كما أدى إلى بذل الجهود لتنويع مصادر الطاقة في أوروبا. ومثال على ذلك، فبعد أن كانت بعض الدول الأوروبية رائدة في التخلص من مصادر الطاقة الأحفورية، والحد من انبعاثات الكربون، فإنها تراجعت بسبب وقف إمدادات الطاقة الروسية والسياسات الأوروبية بإقفال وإعادة تشغيل بعض محطات الطاقة النووية والفحم الحجري القديمة.”
إعادة تشكيل ديناميكيات القوة العالمية
تابع معالي الطاير: “إن التحول إلى الطاقة المتجددة يعيد تشكيل ديناميكيات القوة العالمية. إذ تكتسب البلدان الغنية بموارد الطاقة المتجددة، مثل الدول الغنية بالطاقة الشمسية في الشرق الأوسط والدول الغنية بالرياح في شمال أوروبا، أهمية استراتيجية في مشهد الطاقة العالمي ويسهم في خفض تكلفة الطاقة للمستهلكين. ويعد تخزين الطاقة أيضًا اتجاهًا رئيسيًا في تحول الطاقة، ويدعم هذا الاتجاه التقدم في تكنولوجيا البطاريات والتوافر المتزايد للبنية التحتية للتخزين. ومع تزايد حصة مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة في مزيج الطاقة، أصبحت الحاجة إلى حلول فعالة لتخزين الطاقة أكثر إلحاحا. ويلعب التقدم في تخزين البطاريات، فضلاً عن التقنيات الأخرى مثل تخزين الطاقة المائية بالضخ، وتخزين الطاقة على نطاق الشبكات، دوراً حاسماً في تمكين دمج الطاقة المتجددة في الشبكات. ووفقاً لتقرير الطاقة 2023 الصادر مؤخراً عن وكالة الطاقة الدولية (IEA)، فإن اعتماد سيناريو تحقيق الحياد الكربوني 2050، سيؤدي إلى خفض أسعار النفط مقارنة مع أسعار 2022 بأكثر من 50% بحلول عام 2030 و75% بحلول عام 2050، وأسعار الغاز الطبيعي والفحم بأكثر من ذلك. كما بلغت القدرة الإنتاجية للألواح الشمسية في عام 2022 أكثر من 200 جيجاوات والقدرة التخزينية حوالي 10% منها فقط! بينما يتوقع التقرير أن ترتفع القدرة الإنتاجية للألواح الشمسية، وفق نفس السيناريو، بحوالي 4 أضعاف بحلول عام 2030، بينما سترتفع القدرة التخزينية بضعف هذه النسبة (حوالي 8 أضعاف). ومن المعروف عالمياً أن تكلفة تقنيات الطاقة الشمسية والتخزين في انخفاض مستمر بينما كفاءتها في تصاعد مستمر أيضاً. كما أنه من المتوقع أن تتجاوز السعة التخزينية في العالم، التي تتكون في معظمها من تقنيات بطاريات الليثيوم، 1 تيراوات ساعة بحلول عام 2030، وأن تنخفض تكلفة نظام التخزين بالبطاريات إلى أقل من 200 دولار أمريكي لكل كيلووات ساعة بحلول عام 2030، وحوالي 130 دولار بحلول عام 2050. ووفق التقرير نفسه، فإن الاستثمار في الطاقة النظيفة ارتفع 40% منذ عام 2020، وتوقع التقرير إضافة أكثر من 500 جيجاوات من الطاقة المتجددة في عام 2023 وحده. ونتيجة لذلك فقد استنتجت الوكالة أن الطريق إلى الحد من ارتفاع حرارة الأرض بـ 1.5 درجة مئوية، رغم صعوبته البالغة، إلا أنه ما زال متاحاً.”
الهيدروجين الأخضر
أوضح معالي الطاير أن التقنيات المتطورة في قطاع الطاقة ضرورية لمواجهة تحديات الاستدامة والموثوقية، والاعتماد على البحوث والتطوير ضروري لدفع الابتكار في هذا المجال، وإحدى التقنيات الواعدة هي إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى جانب حلول التخزين المتقدمة، حيث يتمتع الهيدروجين الأخضر، الذي يتم إنتاجه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، بالقدرة على لعب دور مهم في إزالة الكربون من مختلف القطاعات، بما في ذلك النقل والعمليات الصناعية، ويصفه البعض بأنه وقود المستقبل. علاوة على ذلك، تعد تقنيات التخزين الفعالة أمرًا حيويًا لضمان التوافر المستمر للهيدروجين، مما يجعله ناقلًا موثوقًا للطاقة. وقد حظي الهيدروجين الأخضر باهتمام كبير حيث تقدر وكالة الطاقة الدولية أن قدرة إنتاج الهيدروجين الأخضر العالمية يمكن أن تصل إلى أكثر من 170 جيجاوات بحلول عام 2030، وهو ما يمثل زيادة كبيرة عن القدرة الحالية. ومن المتوقع أن يكون هذا التوسع مدفوعًا بانخفاض تكاليف الطاقة المتجددة، والسياسات الداعمة، وزيادة الطلب على الهيدروجين منخفض الكربون للصناعات المختلفة. ومن المتوقع أن تنخفض التكلفة المرتفعة حالياً لإنتاج الهيدروجين الأخضر بشكل كبير في السنوات المقبلة. ووفقًا لمجلس الهيدروجين، من المحتمل أن تنخفض تكلفة الهيدروجين الأخضر بنسبة 50% بحلول عام 2030، كما تؤكد نشرة الهيدروجين العالمية لعام 2023 الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية أنه يمكن إنتاج الهيدروجين الأخضر مقابل 1.60 دولار للكيلوغرام بحلول عام 2030، مما يجعله أكثر تنافسية مع طرق إنتاجه حالياً حيث تتراوح تكلفة انتاجه بين 3 و6.5 دولار للكيلوغرام. وفيما يتعلق بالتخزين، يجري تطوير تقنيات متقدمة مثل تسييل الهيدروجين والتخزين في الكهوف الملحية ومواد تخزين الهيدروجين الصلبة المبتكرة، مما يضمن تخزين الهيدروجين بكفاءة وموثوقية. وتعتبر هذه التطورات حاسمة لتمكين اعتماد الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع كناقل للطاقة. وتؤكد الأرقام والتوقعات على الأهمية المتزايدة للهيدروجين الأخضر مع الاستثمارات الكبيرة والتقدم التكنولوجي الذي يقود تطوره السريع ونشره.
مصدر واعد للطاقة النظيفة
أشار معالي الطاير إلى أن الاندماج النووي يعد من المصادر الواعدة باعتباره مصدراً للطاقة النظيفة وغير المحدودة تقريباً، على الرغم من التحديات التكنولوجية الكبيرة التي لا يزال يتعين التغلب عليها، وفي حين كان الانشطار النووي مصدراً مؤكداً للطاقة المنخفضة الكربون لعقود من الزمن، فإن جهود البحث والتطوير الجارية تركز على تعزيز السلامة، وإدارة التخلص من النفايات المشعة، وفعالية التكلفة.
وتابع معالي الطاير: “أعلن سيدي صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تمديد مبادرة “عام الاستدامة” لتشمل عام 2024، بهدف البناء على ما تحقق من نجاح خلال عام 2023، حيث رسخت دولة الإمارات مكانتها الريادية على المستوى العالمي في مجال الاستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والتحول في قطاع الطاقة النظيفة، وأطلقت الدولة المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050، لتسريع وتيرة تحول الطاقة إلى اقتصاد أخضر ودائري ومستدام. وفي هيئة كهرباء ومياه دبي، “شريك الطاقة المستدامة ” للقمة، لدينا مشروعات خضراء رائدة على مستوع عالمي، أبرزها مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، أكبر مجمع للطاقة الشمسية في العالم وفق المنتج المستقِل للطاقة (IPP) بقدرة 5000 ميجاوات بحلول 2030، بالإضافة إلى عدد من المشاريع الرائدة الأخرى، كمشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر، ومحطة حتا الكهرومائية بتقنية الضخ والتخزين، وغيرها. وأوقفنا منذ عدة أعوام إطلاق أي مشاريع جديدة لإنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري وقمنا بحصر المشاريع الجديدة لتحلية المياه على تقنية التناضح العكسي باستخدام الطاقة النظيفة. وخلال العقد الماضي انخفضت تكلفة الطاقة الشمسية في مشاريع الهيئة من 11 سنت/كيلووات ساعة إلى 1.69 سنتا فقط وتضاعفت كفاءتها من 11% إلى حوالي 24%. كما حققنا نتائج عالمية رائدة في مختلف جوانب أعمالنا، حيث تتصدر الهيئة المركز الأول عالميا في أكثر من عشرة مؤشرات أداء رئيسية في مجال عملها، كخفض نسبة الفاقد في شبكة كهرباء الهيئة إلى 2.0%، وفاقد شبكة المياه إلى 4.6%، ومتوسط انقطاع الكهرباء لكل مشترك سنوياً إلى 1.06 دقيقة. ومع تحقيق هذه الإنجازات الهامة فإننا مستمرون في رحلة الريادة والاستدامة، فكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، “أن دولة الإمارات تراهن على المستقبل، وتعمل على تسخير الجهود والعقول والموارد والإمكانات لاستشرافه وتصميمه وصنعه”.
واختتم معالي الطاير بالقول: “ندرك بأن التوقعات المستقبلية تتفاوت بطبيعتها وأهدافها وأرقامها ودقتها وهي قابلة للتغيير مع مرور الوقت، لكن الثابت هو أمل البشرية الراسخ في أن تبقى الحكومات والشعوب متعاونة وملتزمة بالتصدي لمختلف التحديات والمخاطر المصيرية التي تهدد البشرية، والحفاظ على كوكب الأرض، لتحقيق الازدهار المستدام لنا ولأجيالنا القادمة.”