بزنس نيوز: تشهد دول مجلس التعاون الخليجي طفرة في النمو الاقتصادي واستثمارات ضخمة، مدفوعة بتغيرات هيكلية في سياسات الاقتصاد الكلي، وتطوير البنية التحتية، وزيادة الاستثمارات في القطاعات غير النفطية. ومع الانتعاش المتوقع خلال الأعوام القادمة، تسهم هذه التطورات في تعزيز جاذبية المنطقة للاستثمارات العالمية بشكل ملحوظ. ويعزز هذا التوجه التنوع الاقتصادي كاستراتيجية لمواجهة التقلبات العالمية وتقليل الاعتماد على النفط، في خطوة تتوافق مع خطط التنمية المستدامة.
نمو ملحوظ وتوقعات إيجابية للنمو الاقتصادي
أفاد تقرير حديث صادر عن “أكسفورد إيكونوميكس” ومعهد المحاسبين القانونيين (ICAEW) أن اقتصاد دول الخليج يستعد لنمو ملحوظ خلال الأعوام القادمة. ووفقاً للتقرير، من المتوقع أن يصل معدل النمو الاقتصادي لدول مجلس التعاون إلى 4.4% في عام 2025، بزيادة ملحوظة عن متوسط النمو الحالي. من جهة أخرى، يُتوقع أن ينمو اقتصاد منطقة الشرق الأوسط بنسبة 2.1% في عام 2024، ويتسارع إلى 3.7% في 2025، مدفوعاً بتحسن أداء القطاعات غير النفطية وزيادة الاستثمارات.
استثمارات استراتيجية في القطاعات غير النفطية
تعتبر القطاعات غير النفطية جزءاً مهماً من استراتيجيات التنمية في دول الخليج، حيث تسعى كل من السعودية، الإمارات، وقطر إلى تحويل اقتصاداتها لتكون أقل اعتماداً على النفط. على سبيل المثال، تنفق السعودية مليارات الدولارات على مشاريع تنموية كبرى مثل “نيوم”، المشروع الضخم الذي يهدف إلى إنشاء مدينة حديثة تعتمد على الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة. كذلك، تستثمر الإمارات في قطاعات الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات اللوجستية، بهدف تعزيز الاقتصاد الرقمي.
أرقام الاستثمارات: في السعودية وحدها، تُقدر قيمة الاستثمارات في المشاريع غير النفطية بحوالي 500 مليار دولار بحلول عام 2030، مع توقع أن يسهم هذا المبلغ في تعزيز النمو وزيادة فرص العمل للشباب. أما الإمارات، فقد خصصت مليارات الدولارات لتعزيز بيئة الأعمال وابتكار حلول رقمية جديدة، كما أصبحت مركزاً إقليمياً للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي.
التأثير العالمي على تدفق الاستثمارات الأجنبية
بفضل هذه السياسات، زادت جاذبية دول الخليج للاستثمارات العالمية، حيث بدأت رؤوس الأموال الأجنبية تتجه إلى المنطقة بشكل ملحوظ. فقد أعلن صندوق الثروة السيادي السعودي “صندوق الاستثمارات العامة” عن خطط لتعزيز الاستثمارات الأجنبية عبر مشاريع مشتركة، بما في ذلك التعاون مع شركات عالمية مثل “بلاك روك” و”سوفت بنك” للاستثمار في الطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية.
في قطر، تمثل استضافة الفعاليات الدولية الكبرى مثل كأس العالم عام 2022، دافعاً رئيسياً لجذب الاستثمارات. وقد ساعدت هذه الفعاليات في تعزيز مكانة قطر كوجهة استثمارية عالمية، بالإضافة إلى التركيز على تطوير بنية تحتية عالية الجودة.
مرونة القطاع الخاص وتأثيراته الاقتصادية
أشار التقرير إلى مرونة القطاعات غير النفطية، حيث من المتوقع أن تنمو بمعدل 4.2% في 2024 وتصل إلى 4.4% في 2025. ويعود هذا إلى سياسات التحفيز الاقتصادي التي طبقتها حكومات دول الخليج لدعم الاستهلاك والاستثمار الخاص. وبحسب سكوت ليفرمور، كبير الاقتصاديين في “أكسفورد إيكونوميكس“، فإن الاستثمارات الاستباقية في القطاعات غير النفطية، إلى جانب الانتعاش التدريجي في إنتاج النفط، ستسهم بشكل كبير في تحقيق هذا النمو القوي.
ومن الأمثلة على النمو القوي في القطاع الخاص، نشير إلى الإمارات، حيث تشهد قطاعات السياحة، والعقارات، والخدمات المالية نمواً ملحوظاً مدعوماً بالسياسات المرنة والبيئة الجاذبة للاستثمار. كما تسهم القوانين الجديدة المتعلقة بالتأشيرات والإقامة طويلة الأجل في تعزيز مكانة الإمارات كمركز اقتصادي عالمي.
التحديات الاقتصادية وتأثيراتها على الاستثمارات
بالرغم من هذه الأفاق الإيجابية، تواجه دول الخليج تحديات اقتصادية عالمية، بما في ذلك ارتفاع معدلات التضخم، وتأثيرات أسعار الفائدة العالمية. ورغم ذلك، فإن الحكومات الخليجية تعمل على تعزيز مرونة الاقتصاد من خلال تخفيض أسعار الفائدة محلياً لدعم الطلب المحلي وتحفيز الإنفاق الاستثماري.
التكنولوجيا والتحول الرقمي: مفتاح التنافسية العالمية
تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على تعزيز موقعها في الساحة الاقتصادية العالمية عبر اعتمادها على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. في هذا السياق، خصصت السعودية موارد ضخمة لتعزيز الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، مع إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) التي تهدف إلى قيادة الثورة الرقمية. وتُعتبر هذه الخطوة جزءًا من رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تحويل السعودية إلى مركز عالمي في هذا المجال.
التوقعات المستقبلية
مع استمرار تدفق الاستثمارات في القطاعات غير النفطية والاقتصاد الرقمي، تُظهر دول الخليج مرونة وقدرة على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية العالمية. وتبرز هذه التطورات كعامل جذب قوي للاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث يعكس هذا التوجه رغبة دول الخليج في خلق اقتصاد متنوع ومستدام يتكيف مع التحديات العالمية، ويركز على الابتكار والتكنولوجيا كوسيلة للتقدم.
استمرار النمو والازدهار
تشير التوقعات إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي ستستمر في مسيرة النمو والازدهار، مدعومة بالاستثمارات الضخمة في القطاعات غير النفطية، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز التحول الرقمي. وبفضل هذه الاستراتيجيات، يبدو أن اقتصادات الخليج تستعد لحقبة جديدة من التنافسية العالمية، حيث تصبح هذه الدول أكثر جاذبية للاستثمارات، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات العالمية، مما يعزز مكانتها كوجهة استثمارية مميزة على الصعيد العالمي.