بقلم: أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك
بعد شهر من الاضطرابات في القطاع المصرفي، اتجه مؤشر بلومبرج للسلع لتسجيل تراجع شهري بسيط بنسبة 1.2%، قبل أن يعود بقوة مستفيداً من عمليات البيع التي حدثت في منتصف الشهر، والتي شهدت لفترة قصيرة تراجع المؤشر لأدنى مستوىً له خلال 14 شهراً، الأمر الذي ساهم في تجنب عمليات البيع الأكبر على الرغم من المخاوف المتعلقة بالتأثير السلبي للتباطؤ الاقتصادي على الطلب، وخاصةً في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية التي تعيش حالة من الضغوطات المالية الواضحة. فيما نتجت الأجواء الإيجابية عن مؤشرات تسارع الانتعاش الاقتصادي في الصين خلال شهر مارس وتأثيرها على قطاعات التصنيع والخدمات والبناء، والتي تعزز جميعها من توقعات النمو.
وجاء قطاع الطاقة في مقدمة الخسائر، حيث شهد تراجعاً بنسبة 9% نتيجة انخفاض العقود الآجلة للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين استفاد الذهب والفضة من الانخفاض الكبير في عائدات السندات الحكومية الأمريكية، وتراجع قيمة الدولار الأمريكي، والتعديل الهبوطي الحاد في توقعات الأسعار المستقبلية من قبل الاحتياطي الفدرالي. وعلى الرغم من التعافي الذي شهده القطاع المصرفي في نهاية الشهر، استطاعت المعادن الثمينة الحفاظ على أسعارها بالقرب من المعدلات القياسية لهذه الدورة، في الوقت الذي استمر فيه الطلب من قبل المستثمرين بالارتفاع وسط توقعات باستمرار العوامل الإيجابية خلال الأشهر القادمة.
واتجه قطاع الحبوب لتحقيق مكاسب شهرية لأول مرة خلال هذا العام، مستفيداً من الارتفاع الجديد لأسعار الذرة وارتفاع حجم الصادرات، إضافة إلى توجه الصناديق نحو استخدام الأموال لتغطية مراكز البيع على المكشوف بعد أربعة أسابيع من نشاط البيع القياسي، وذلك توازياً مع الإشارات على تحسن التوقعات التقنية والأساسية. ووصلت أسعار الكاكاو إلى أعلى مستوى لها خلال ثلاث سنوات نتيجة تراجع العرض، وسط مخاوف من تباطؤ الشحنات الصادرة من غرب أفريقيا، والتي تأثرت بشكل جزئي بالأمراض والظروف الجوية السيئة. من جانبها، وصلت أسعار السكر إلى أعلى مستوى لها خلال ست سنوات، متأثرةً بالإنتاج الضعيف لقصب السكر من مناطق تايلاند والهند، بالإضافة إلى تعديل الضرائب الحكومية على الوقود في البرازيل، والذي ولد مخاوف بشأن تزايد استخدام قصب السكر لإنتاج الإيثانول عوضاً عن استخدامه لإنتاج سكر التحلية.
تراجع جزئي للنفط الخام
تمكنت عقود برنت وخام غرب تكساس الوسيط، أكبر عقود آجلة للنفط الخام على مستوى العالم، من تعويض حوالي نصف الخسائر التي تعرضت لها في بداية شهر مارس، والتي ازدادت في منتصف الشهر متأثرةً بالأزمة المصرفية. وجاء التحسن في عمليات البيع مدفوعاً بشكل رئيسي بحاجة المضاربين والمتحوطين إلى تخفيض عقودهم الآجلة بنسبة أقل من سعر السوق في ظل توقعات الطلب المنخفضة، الأمر الذي يفسر تمكن السعر من العودة بعد مرحلة البيع الأولية ليبلغ حوالي 80 دولار أمريكي لخام برنت و75 دولار أمريكي لخام غرب تكساس الوسيط.
وشهد النفط الخام شهوراً من التداولات الجانبية قبل عمليات البيع المفاجئة، الأمر الذي ساهم في زيادة الاستقرار، ودفع المضاربين الذين يستهدفون مستوى معين من التقلبات في محفظتهم إلى زيادة مراكزهم. ومع تداول عقود برنت بقيم منخفضة داعمة، كان التركيز بشكل رئيسي على ضمان عقود الشراء طويلة الأمد قبل ارتفاع الأسعار المتوقع مع تحسن الطلب. وترافقاً مع ظهور الأزمة، تجاوز النفط الخام مستوى الدعم وأفسح مجالاً كبيراً أمام عملية البيع، وذلك من حالات التصفية طويلة الأجل والمحاولات الجديدة للبيع على المكشوف.
وسجلت صناديق التحوط خلال فترة أسبوعين حتى 21 مارس أسرع وتيرة لبيع عقود برنت وخام غرب تكساس الوسيط منذ أكثر من عشر سنوات، مع انخفاض صافي عقود الشراء المجمّعة بمقدار 233 ألف لوت أو 233 مليون برميل نفط خام ليبلغ 241 ألف لوت، وهو أدنى مستوى له خلال ثلاث سنوات. وتأثرت مبيعات عقود خام غرب تكساس الوسيط بشكل خاص، حيث تراجع صافي عقود الشراء المجمّعة ليصل إلى أدنى مستوى له منذ عام 2016 مسجلاً 71 ألف لوت. واضطر المتداولون إلى تغطية المراكز القصيرة توازياً مع بدء انتعاش الأسعار وتحسن مستويات الإقبال على المخاطر.
وشهد تداول النفط الخام تحسناً بالتزامن مع الانتعاش الأخير المدفوع باستمرار اضطرابات الإمداد من شمال العراق، والناتجة عن النزاع بين بغداد وإقليم كردستان إضافة إلى تراجع قيمة الدولار، وتسجيل أكبر انخفاض في مخزونات الخام الأمريكية منذ نوفمبر الماضي، فضلاً عن التعافي المستمر للصين ودور ارتفاع مستويات الإقبال على المخاطر في تغطية المراكز القصيرة. وأظهر الاستبيان الشهري الذي نشره بنك الاحتياطي الفدرالي في دالاس، والذي شمل عدداً من المسؤولين التنفيذيين في حوض النفط الصخري، أن “الغموض المرتبط بمدة ودرجة أزمة البنوك يجعلنا قلقين بشأن خطط الإنفاق الرأسمالي الخاصة بعام 2023”. وشهدنا تباطؤ الإنتاج نتيجة التكاليف الكبيرة الناجمة عن نقص العمالة، ومشاكل سلسلة التوريد والحصول على الإئتمان.
ونحافظ على توقعاتنا الإيجابية المتوسطة حول النفط الخام، مع مخاوف بأن معظم الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي لهذا العام، والبالغة 2 مليون برميل يومياً، من الممكن أن تحدث خلال النصف الثاني. ومن الممكن أن يساهم التباطؤ الأكبر من المتوقع، وفق ما يشير إليه التخفيض المتوقع لسعر الفائدة الأمريكي، إلى تراجع النمو الإجمالي، وبالتالي الحد من الارتفاع في أسعار النفط الخام في وقت لاحق من العام. ومع ذلك، فمن الممكن أن يشير تجاوز سعر عقود برنت على المدى القصير عتبة الـ 80.40 دولاراً أمريكياً إلى العودة إلى النطاق الذي كان سائداً قبل التصحيح الذي تم في منتصف مارس.
ارتفاع محتمل للذهب على المدى القصير وسط تحديات متنوعة
يتجه الذهب والفضة إلى تسجيل مكاسب شهرية تقترب من 8% و14% على التوالي، وذلك بعد شهر من حالة عدم الاستقرار التي شهدها القطاع المصرفي. وعلى الرغم من تراجع الضغوطات خلال الأسبوع الماضي، تمكن المعدنان من الحفاظ على معظم مكاسبهما في انتظار ذروة جديدة قريباً في أسعار الفائدة الأمريكية، تليها سلسلة جديدة من الانخفاضات. ومع ذلك، من الممكن أن تصطدم هذه التوقعات بحقيقة أن النسبة الحالية المحتملة للركود والبالغة 60% من الممكن أن تكون مرتفعة، خاصةً إذا أخذنا بعين الاعتبار المشهد الاقتصادي الذي مايزال يشهد معدلات تضخم مرتفعة ومستويات توظيف كاملة ومستهلكين مرنين.
وتسبب إفلاس بنك سيليكون فالي في تحول توقعات أسعار الفائدة المستقبلية من الزيادات الإضافية إلى توقعات بتخفيض أكثر من 100 نقطة أساس خلال الأشهر المقبلة، الأمر الذي يوحي بأن السوق يدفع نحو الركود، ومع ذلك فإننا نرى أن الوضع متجه نحو ركود بطيء وليس نحو انهيار. ونستبعد في ساكسو بنك حدوث أي تخفيضات في الفترة الممتدة حتى سبتمبر، الأمر الذي يساهم في تعقيد مشهد سوق المعادن في حال استمرت البيانات الاقتصادية عموماً، وتلك المتعلقة بالتضخم خصوصاً، في إظهار قوتها.
وتبقى حقيقة أننا نقترب من ذروة جديدة لرفع أسعار الفائدة ثابتة، مع توقعات بأن يساهم الطلب الجديد على الذهب من مستثمري الصناديق المتداولة في البورصة، إلى جانب ارتفاع معدلات الشراء من صناديق التحوط، والطلب المستمر من البنوك المركزية، في تحقيق ارتفاع في قيمة الذهب والفضة بمجرد أن يبدأ تقلص الفجوة بين أسعار الفائدة الحالية والمستقبلية للاحتياطي الفدرالي.
ويشكّل سعر 2000 دولار أمريكي المستوى الرئيسي الذي ينبغي مُراقبته، في حين بقي مستوى الدعم عند سعر 1933 دولار أمريكي، والذي يشكل تصحيحاً بنسبة 38.2% عن الارتفاع الأخير البالغ 2010 دولار أمريكي. كما يجب مراقبة إغلاق معدن الفضة أسبوعياً فوق مستوى 23.90 دولار أمريكي، الأمر الذي من الممكن أن يكون مؤشراً لانعكاس الاتجاه الهبوطي السائد لمدة عامين.
المصدر: ساكسو
الحبوب تشهد تحسناً قبيل موعد تقرير الزراعة الرئيسي
وصل مؤشر بلومبرج للحبوب، الذي يرصد أداء عقود الحبوب والصويا الرئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة ستة أشهر، إلى أعلى مستوياته خلال خمسة أسابيع، مدفوعاً بمكاسب بنسبة 3.6% في الذرة وسط زيادة الطلب من الصين على الحبوب الأمريكية. في حين تم تداول القمح بسعر تجاوز 7 دولارات لمدة قصيرة نتيجة مخاوف بأن تسعى روسيا إلى وقف مؤقت لمبيعاتها من القمح وزيت دوار الشمس لتحقيق أسعار أعلى. وأدى الجفاف الذي أصاب سهول الولايات المتحدة الأمريكية إلى رفع سعر قمح ماي كانساس الأحمر الشتوي الصلب، مما أضاف بعض الدعم إلى قمح شيكاغو الأحمر الشتوي الطري.
وساهمت هذه التطورات في دعم الأسعار بعد فترة تميزت بسلوك بيع شديد للمضاربين خاصة في مجال الذرة، في الوقت الذي كانت فيه السوق في حالة ترقب لإطلاق التقرير الرئيسي الخاص بوزارة الزراعة الأمريكية. وكان من المتوقع أن تظهر تقارير المخزونات الربعية والزراعة المستقبلية أصغر مخزون من القمح والذرة خلال 15 و 9 سنوات على التوالي. وبالإضافة إلى ذلك، أدى تخفيض المساحة المخصصة لزراعة القطن بنسبة 19%، لتبلغ 11 مليون فدان، والتخفيضات على المحاصيل الصغيرة الأخرى، إلى توقعات بأن المزارعين سيزرعون مساحات أكبر من فول الصويا (زيادة بنسبة 1% لتبلغ 88.3 مليون فدان) والذرة (زيادة بنسبة 2.6% لتبلغ 90.0 مليون فدان) والقمح (زيادة بنسبة 9% لتبلغ 48.9 مليون فدان)، وهو أكبر تخصيص زراعي خلال سبع سنوات. ملاحظة: لم تكن نتائج هذه التقارير المتعلقة بحركة السوق واضحة في لحظة كتابة هذا التقرير.
النحاس يحافظ على مكاسبه مدعوماً بانخفاض المخزون وزيادة الطلب من الصين
تمكن النحاس من التعافي من الخسائر التي سجلها خلال عمليات البيع الناتجة عن أزمة البنوك في منتصف الشهر. ويستفيد ارتفاع الطلب على المعدن من قطاع المركبات الكهربائية وحلول إنتاج الطاقة المتجددة وتخزين ونقل الكهرباء، وهو ما يعكس نجاح النحاس في تعويض التباطؤ الاقتصادي في الغرب، وتباطؤ أنشطة القطاع العقاري في الصين، والذي كان أحد المحفزات الرئيسية للطلب خلال الأعوام القليلة الماضية.
وسجلت مخزونات النحاس المرئية، أي الخاضعة لرقابة أسواق العقود الآجلة في شانغهاي ولندن ونيويورك، تراجعاً ملحوظاً خلال الأسابيع الخمسة الماضية بنسبة 29%. وترى جولدمان ساكس بأن استمرار الاتجاه الحالي لارتفاع الطلب في الصين قد يعرّض مخزونات النحاس العالمية المرئية للنفاد بحلول شهر أغسطس المقبل. وفي مقابل الطلب الكبير، رأينا تعافياً مستمراً في الإنتاج العالمي من الركود الذي أصاب القطاع في الربع الرابع من العام الماضي، عندما أدت مشاكل الإنتاج في تشيلي والبيرو والإغلاق في الصين إلى انخفاض الإنتاج بنسبة 19% على أساس فصلي، وهو أدنى مستوى خلال 6 سنوات وفقاً لشركة إس أند بي جلوبال.
ويشهد النحاس عالي الجودة تراجع تداولات العقود الآجلة منذ منتصف شهر يناير، مدفوعة مبدئياً بالتوقعات غير المحققة تجاه وتيرة التعافي الاقتصادي في الصين ومخاوف النمو في مناطق أخرى. وتوازياً مع تراجع المخاوف المصرفية، أدى الانخفاض المستمر في المخزونات التي تتم مراقبتها في المستودعات إلى استقرار السعر في نطاق يتراوح بين 4.00 و4.15 دولار أمريكي. وستضطر الحسابات المالية الموجهة للعودة إلى الشراء في حالة حدوث أي اختراق تصاعدي، وذلك بعد تحوّل مركزها الصافي من أكثر من 40,000 عقد طويل الأجل في 31 يناير إلى 7,000 عقد قصير الأجل بعد سبعة أسابيع.
ختاماً، تحذير حول الصناديق المتداولة في البورصة
لا نخصص عادة الكثير من الوقت للصناديق المتداولة في البورصة، فهي منتجات لا يفهمها المستثمرون دائماً ولديها قدرة محدودة على تتبع أداء الأداة المحددة بمرور الوقت، ومن الأفضل عدم التركيز عليها أو استخدامها حصراً في استراتيجيات التداول قصيرة الأمد.
ونتجه بطبيعتنا كبشر إلى التداولات العكسية، أي البحث عن الأسهم التي تحقق أرباحاً كبيرة بعد عمليات بيع مكثقة. وخير مثال على هذه الصناديق هو صندوق بروشير ألترا بلومبرج للغاز الطبيعي، والذي يهدف إلى تحقيق نتائج استثمار يومية تعادل ضعفي أداء مؤشر بلومبرج الفرعي للغاز الطبيعي. وعلى الرغم من تراجع الأسعار بنسبة 47%، تمكن الصندوق في مارس من جذب 235 مليون دولار أمريكي من تدفقات المستثمرين الجدد، وبالتالي يحتاج الصندوق الآن للتعافي بنسبة تزيد عن 87% حتى يتمكن من تعويض هذه الخسائر.
ومن الصعب إدارة مثل هذه الصناديق لفترة طويلة، وتمثل الخسارة بنسبة 93% خلال عام واحد خير برهان على ذلك، ليس فقط من حيث التراجع الحالي في الغاز الطبيعي، ولكن أيضاً من حيث مدة التأجيل المرتفعة للغاية والتي تؤثر سلباً على العائدات في كل تداول أساسي في المستقبل. وخلال خمس سنوات، انخفض سعر عقد الغاز الطبيعي للشهر الأمامي بنسبة 25% في حين خسر صندوق بروشير ألترا بلومبرج للغاز الطبيعي أكثر من 99% من قيمته.